فصل: (سورة النساء: الآيات 100- 101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وجملة: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} عطف على {وما يضرونك من شيء}.
وموقعها لزيادة تقرير معنى قوله: {ولولا فضل الله عليك ورحمته} ولذلك ختمها بقوله: {وكان فضل الله عليك عظيمًا}، فهو مثل ردّ العجز على الصدر.
والكتاب: والقرآن.
والحكمة: النبوءة.
وتعليمه ما لم يكن يعلم هو ما زاد على ما في الكتاب من العلم الوارد في السنّة والإنباء بالمغيّباتِ. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{ولولا فضل الله عليك} يا محمد {ورحمته} بالعصمة {لهمت طائفة منهم} أي: من قوم طعمة أي: همًا مؤثرًا عندك {أن يضلوك} أي: عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال بتلبيسهم عليك فلا ينافي ذلك أنهم قد هموا بذلك؛ لأنّ الهم المؤثر لم يوجد {وما يضلون إلا أنفسهم} إذ وبال ذلك عليهم {وما يضرونك من شيء} فإنّ الله عصمك وما خطر ببالك كان اعتمادًا منك على ظاهر الأمر لا ميلًا في الحكم.
تنبيه:
{من شيء} في موضع نصب على المصدر أي: شيئًا من الضر فمن مزيدة {وأنزل الله عليك الكتاب} أي: القرآن {والحكمة} أي: السنة فإنها ليست قرآنًا يتلى وفسرت أيضًا بأنها علم الشرائع وكل كلام وافق الحق {وعلمك ما لم تكن تعلم} أي: من المشكلات وغيرها غيبًا وشهادة من أحوال الدين والدنيا {وكان فضل الله عليك عظيمًا} أي: بهذا وبغيره من أمور لا تدخل تحت الحصر، وفي هذا دليل على أن العلم من أشرف الفضائل. اهـ.

.قال ابن القيم:

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الحكمة:
قال الله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269]
وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113]
وقال عن المسيح عليه السلام: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ} [آل عمران: 48]
الحكمة في كتاب الله نوعان: مفردة ومقترنة بالكتاب.
فالمفردة: فسرت بالنبوة وفسرت بعلم القرآن قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي علم القرآن: ناسخة ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله وقال الضحاك: هي القرآن والفهم فيه وقال مجاهد: هي القرآن والعلم والفقه وفي رواية أخرى عنه: هي الإصابة في القول والفعل وقال النخعي: هي معاني الأشياء وفهمها.
وقال الحسن: الورع في دين الله كأنه فسرها بثمرتها ومقتضاها وأما الحكمة المقرونة بالكتاب: فهي السنة كذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة وقيل: هي القضاء بالوحي وتفسيرها بالسنة أعم وأشهر وأحسن ما قيل في الحكمة: قول مجاهد ومالك: إنها معرفة الحق والعمل به والإصابة في القول والعمل وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن والفقه في شرائع الإسلام وحقائق الإيمان والحكمة حكمتان: علمية وعملية فالعلمية: الاطلاع على بواطن الأشياء ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها خلقا وأمرا قدرا وشرعا.
والعلمية كما قال صاحب المنازل: وهي وضع الشيء في موضعه قال: وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى: أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حده ولا تعجله عن وقته ولا تؤخره عنه.
لما كانت الأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها شرعا وقدرا ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعداها ولها أوقات لا تتقدم عنها ولا تتأخر كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاثة بأن تعطي كل مرتبة حقها الذي أحقه الله لها بشرعه وقدره ولا تتعدى بها حدها فتكون متعديا مخالفا للحكمة ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة ولا تؤخرها عنه فتفوتها وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع مسبباتها شرعا وقدرا فإضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسقي الأرض وتعدي الحق: كسقيها فوق حاجتها بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد وتعجيلها عن وقتها: كحصاده قبل إدراكه وكماله وكذلك ترك الغذاء والشراب واللباس: إخلال بالحكمة وتعدي الحد المحتاج إليه: خروج عنها أيضا وتعجيل ذلك قبل وقته: إخلال بها وتأخيره عن وقته: إخلال بها فالحكمة إذا: فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي والله تعالى أورث الحكمة آدم وبنيه فالرجل الكامل: من له إرث كامل من أبيه ونصف الرجل كالمرأة له نصف ميراث والتفاوت في ذلك لا يحصيه إلا الله تعالى وأكمل الخلق في هذا: الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأكملهم أولو العزم وأكملهم محمد ولهذا امتن الله سبحانه وتعالى عليه وعلى أمته بما آتاهم من الحكمة كما قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113] وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] فكل نظام الوجود مرتبط بهذه الصفة وكل خلل في الوجود وفي العبد فسببه: الإخلال بها فأكمل الناس: أوفرهم منها نصيبا وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال: أقلهم منها ميراثا ولها ثلاثة أركان: العلم والحلم والأناة وآفاتها وأضدادها: الجهل والطيش والعجلة.
فلا حكمة لجاهل ولا طائش ولا عجول. والله أعلم. اهـ.

.قال الثعالبي:

قال ابنُ العربيِّ في رحلته: اعلم أنَّ علومَ القُرآنِ ثلاثةُ أقْسَامٍ: تَوْحِيدٌ، وتَذْكِيرٌ، وأَحْكَامٌ، وعلْم التذكيرِ هو معظم القُرآن، فإنه مشتملٌ علَى الوَعْد والوَعِيدِ، والخَوْف والرجاء، والقُرَبِ وما يرتبط بها، ويدْعو إليها ويكُونُ عنها، وذلك معنًى تَتَّسِعُ أبوابه، وتمتدُّ أطنابه. انتهى. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة النساء: الآيات 100- 101]:

{وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}
مُراغَمًا مهاجرًا وطريقا يراغم بسلوكه قومه، أي يفارقهم على رغم أنوفهم.
والرغم: الذلّ والهوان. وأصله لصوق الأنف بالرغام- وهو التراب- يقال: راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك. قال النابغة الجعدي:
كَطَوْدٍ يُلَاذُ بِأَرْكَانِهِ ** عَزِيزِ الْمَرَاغِمِ وَالْمَذْهَبِ

وقرئ: {مرغما}. وقرئ {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقيل: رفع الكاف منقول من الهاء كأنه أراد أن يقف عليها، ثم نقل حركة الهاء إلى الكاف، كقوله:
مِنْ عَنَزِيّ سَبَّنِى لَمْ أضْرِبْهُ

وقرئ {يُدْرِكْهُ} بالنصب على إضمار أن، كقوله:
وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا

{فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} فقد وجب ثوابه عليه: وحقيقة الوجوب: الوقوع والسقوط {فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها} ووجبت الشمس: سقط قرصها. والمعنى: فقد علم اللَّه كيف يثيبه وذلك واجب عليه. وروى في قصة جندب بن ضمرة: أنه لما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله ثم قال: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك. فمات حميدا فبلغ خبره أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: لو توفى بالمدينة لكان أتم أجرا، وقال المشركون وهم يضحكون: ما أدرك هذا ما طلب. فنزلت. وقالوا: كل هجرة لغرض دينى- من طلب علم، أو حج، أو جهاد، أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهدًا في الدنيا، أو ابتغاء رزق طيب- فهي هجرة إلى اللَّه ورسوله. وإن أدركه الموت في طريقه، فأجره واقع على اللَّه الضرب في الأرض: هو السفر. وأدنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند أبى حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام ولياليهنّ سير الإبل ومشى الأقدام على القصد، ولا اعتبار بإبطاء الضارب وإسراعه. فلو سار مسيرة ثلاثة أيام ولياليهنّ في يوم، قصر. ولو سار مسيرة يوم في ثلاثة أيام، لم يقصر. وعند الشافعي. أدنى مدة السفر أربعة برد مسيرة يومين. وقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ظاهره التخيير بين القصر والإتمام، وأن الإتمام أفضل. وإلى التخيير ذهب الشافعي. وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه أتم في السفر. وعن عائشة رضى اللَّه عنها: اعتمرت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قلت يا رسول اللَّه، بأبى أنت وأمى، قصرت وأتممت، وصمت وأفطرت. فقال: أحسنت يا عائشة وما عاب علىّ. وكان عثمان رضى اللَّه عنه يتم ويقصر. وعند أبى حنيفة رحمه اللَّه: القصر في السفر عزيمة غير رخصة لا يجوز غيره. وعن عمر رضى اللَّه عنه: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم. وعن عائشة رضى اللَّه عنها: أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر، وزيدت في الحضر. فإن قلت: فما تصنع بقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} قلت: كأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه. وقرئ: {تقصروا} من أقصر. وجاء في الحديث إقصار الخطبة بمعنى تقصيرها. وقرأ الزهري {تقصروا} بالتشديد. والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة، وهو قوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وأمّا في حال الأمن فبالسنة، وفي قراءة عبد اللَّه: من الصلاة أن يفتنكم ليس فيها {إِنْ خِفْتُمْ} على أنه مفعول له، بمعنى: كراهة أن يفتنكم. والمراد بالفتنة: القتال والتعرّض بما يكره.

.[سورة النساء: الآيات 102- 103]:

{وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا (103)}
{وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} يتعلق بظاهره من لا يرى صلاة الخوف بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حيث شرط كونه فيهم: وقال من رآها بعده: إن الأئمة نواب عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في كل عصر، قوّام بما كان يقوم به فكان الخطاب له متناولا لكل إمام يكون حاضر الجماعة في حال الخوف، عليه أن يؤمّهم كما أمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجماعات التي كان يحضرها. والضمير في: {فِيهِمْ} للخائفين {فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} الضمير إمّا للمصلين وإمّا لغيرهم فإن كان للمصلين فقالوا: يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما. وإن كان لغيرهم فلا كلام فيه {فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا} يعنى غير المصلين {مِنْ وَرائِكُمْ} يحرسونكم وصفة صلاة الخوف عند أبى حنيفة: أن يصلى الإمام بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين- والأخرى بإزاء العدو- ثم تقف هذه الطائفة بإزاء العدو وتأتى الأخرى فيصلى بها ركعة ويتم صلاته. ثم تقف بإزاء العدوّ، وتأتى الأولى فتؤدي الركعة بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تحرس، وتأتى الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها. والسجود على ظاهره عند أبى حنيفة. وعند مالك بمعنى الصلاة، لأن الإمام يصلى عنده بطائفة ركعة ويقف قائما حتى تتم صلاتها وتسلم وتذهب، ثم يصلى بالثانية ركعة ويقف قاعدًا حتى تتم صلاتها، ويسلم بهم.